عرض المقال
يا «بليغ».. كم نفتقدك!
2013-09-14 السبت
فرحت بالملف التفاعلى الذى نشره موقع «الوطن» المتميز على «النت» عن الفنان الرائع العبقرى موتسارت مصر «بليغ حمدى» بمناسبة ذكراه، سعادتى وفرحتى بالملف لهما عدة أسباب، أولها: أننى عاشق متعصب له وبليغى الأذن والوجدان، وثانياً: لأن مصر الآن فى أمسّ الحاجة لأن يمس وجدانها بليغ المصرى حتى النخاع؛ فمن الممكن ببساطة أن تعرف الإخوانى الآن بمجرد أن تجده لا تدمع عيناه ولا يكترث أو ينفعل وجدانه مع «على الربابة» أو «يا حبيبتى يا مصر» أو «بوابة الحلوانى» التى أستمع اليها الآن وأنا أكرر كتابة هذا المقال، وهذه هى أحاسيسى أترجمها لكم وأنا أستمع إلى مقدمة ونهاية مسلسل بوابة الحلوانى بصوت على الحجار الذى هو اكتشاف «بليغ» أيضاً الذى كان جواهرجى المواهب بحق.
غلالة من الدمع ترقرقت فى العين، ومسحة من الشجن سكنت شغاف القلب حين استمعت إلى المقدمة العبقرية لمسلسل «بوابة الحلوانى» بصوت على الحجار، حين حاولت غناءها مع الحجار وجدت شرخاً فى الحنجرة وبحة فى الصوت وكأن اللحن يعاندنى، والسؤال يتحدانى: هل أصابنى الخرس لأن مصر لم تعد بوابة الحلوانى أم لأننا لم نعد نستحق أن نقف على هذه البوابة أم لأن تتار المقطم الجدد اغتالوا الحناجر؟! خواطر كثيرة مرت أمامى كشريط سينمائى غير مرتب ناقص المونتاج مشوش الصورة، لكن هذه الخواطر كانت فى النهاية ترسم نقوش بوابة الحلوانى التى وحشتنا.
لحن رائع وعبقرى لبليغ حمدى صادف صوتاً عفياً شجياً حملت ضفاف حنجرته أنغام عوده الموجع، هل كنت أبكى موتسارت العرب بليغ حمدى الذى ظلمه المثقفون أثناء حياته حينما كان من ضمن مفردات الاعتراف بك، كمثقف، هو أن تشتم بليغ حمدى وتسخر من كثرة ألحانه؟ إنه كان يسابق الزمن قبل الرحيل فى المنفى وقبل أن ينهش السرطان كبده الموجوعة النازفة عشقاً لتراب هذا البلد، سألوا أنفسهم لماذا ينتج بهذه الوفرة والسخاء؟ ولم يسألوا كيف ينتج هذا الكم الرهيب بهذا الإبداع والتألق؟! جرب عزيزى القارئ أن تستمع مثلى إلى هذه المقدمة وتكتشف سر الشجن الكامن فيها، وتكتشف كم كان هذا العبقرى معجوناً بحب وبطين هذا البلد.
ويجب أن تتساءل: ما سر بساطة وسلاسة وشجن وتلقائية ألحان هذا الرجل نحيف الجسم ضئيل الحجم عملاق الفن؟ كيف التقط بليغ لحن «على الربابة بغنى» و«يا حبيبتى يا مصر» و«عدى النهار» و«بسم الله»؟! كيف أمسك بالتيمة الموسيقية الرهيبة لفيلم «شىء من الخوف»؟ كيف عزف «سيرة الحب» و«ظلمنا الحب» أمام سيدة الغناء ليخلب بهما عقل سيدة الغناء العربى؟ كيف وصلت شفافيته إلى هذه الصوفية فى ابتهال النقشبندى مولاى إنى ببابك وسبحانك ربى؟!
كيف ترجم أفراحنا وأحزاننا ونزواتنا وعديدنا إلى جمل موسيقية تسللت إلى وجداننا فصارت علامة جودة قياسية مختومة بختم بليغ حمدى، وصرنا نندهش من أن كل لحن يعجبنا لشادية أو وردة أو حليم أو محمد رشدى أو عفاف راضى أو ميادة... إلخ نكتشف أن بليغ هو مبدعه وخالقه الفنى.
لم نتحمل عبقرية هذا الرجل ولم نتسامح مع جنون الفنان بداخله، عندما امتلكنى شجن «بوابة الحلوانى» غسلت كل أدرانى فى نهر بليغ الصافى العذب، وقررت أن أدعوكم معى للتغلب على خرس الغناء بداخلنا والدندنة مع على الحجار وكلمات المبدع سيد حجاب.. «اللى بنى مصر كان فى الأصل حلوانى، وعلشان كده مصر يا ولاد حلوة الحلوات، وادى وبوادى وبحور وجسور وموانى، توحيد وفكر وصلاة تراتيل غنا وابتهالات..
بحلم يا صاحبى وانا لسه بحبى أنا بدنيا تانية ومصر جنة يا صاحبى، وآجى أحقق الحلم ألاقى موج عالى طاح بى، ونعود سوا نطوى الأنين بالحنين، اللى بنى مصر اسمه على بوابتها لا زال ولا زايل، ساعة الهوايل يقوم قايل يا بلداه، وييجى شايل هيلا هوب شايل حمولها ويعدل المايل». تعالوا نطوى الأنين بالحنين لغاية ما ييجى اللى يعدل المايل!